عصرت العقول للبحث عن أفكار، وهلكت الآذان من كثرة الأقاويل التي يتلقاها كل محب لكرة القدم في مصر، وكل شغوف بحال المنتخب الوطني، بشأن الأزمة الحالية في مركز رأس الحربة، وعدم إيجاد المهاجم الفريد الذي تطمئن له الرؤى وترحب به وجهات النظر الفنية، ليقود دفة الفراعنة ويبرز أنيابهم.

اتفق المحللون الرياضيون وتبارت رؤياهم، حتى استقروا على أن آخر مهاجم لمنتخب مصر استحق حمل هذا اللقب الثمين كان عماد متعب مهاجم الأهلي، الذي كان يحتاج فقط لربع فرصة داخل منطقة الجزاء ليلدغ بها شباك الخصم، فضلًا عن براعته في اللعب بكلتا قدميه والمهارة الكاملة في توجيه رأسه عندما ينوي إحراز هدفًا عن طريقها.

 

مرحلة ما بعد الجيل الذهبي والقناص

نختلف في هذا الأمر أو نتفق، لكن الأمر الواقع يوضح بأنه لا يوجد مهاجم قدم أوراق اعتماده، ليحمل على عاتقه مهمة هجوم المنتخب بعد قناص الأهلي، منذ الظهور الأخير لجيل حسن شحاته المدرب الأسطوري للفراعنة، في بطولة الأمم الإفريقية 2010 بأنجولا، التي اقتنصنا لقبها من فم غانا بهدف المنقذ محمد ناجي جدو.

 

مررنا بعد ذلك الجيل الذهبي للمنتخب وتراجع مستوى متعب وابتعاده عن التواجد بشكل أساسي مع الأهلي وبالتالي مع الفراعنة، بفترة عجاف مع سيء الذكر الأمريكي بوب برادلي عندما فشل في الصعود لأمم إفريقيا، بالإضافة إلى أنه كان صاحب النكسة الكبرى بالسداسية الشهيرة أمام غانا في تصفيات كأس العالم 2014 بالبرازيل، وبتدقيق النظر واسترجاع الذاكرة نجد أيضًا أن أزمة المهاجم كانت تشكل ضغطًا كبيرًا على المدرب الأمريكي، لذلك كان يعتمد في الهجوم على محمد صلاح لاعبنا في ليفربول الإنجليزى ومحمد أبو تريكة أسطورة الأهلي ومصر المعتزل.

وجاء شوقي غريب مديرًا فنيًا للمنتخب الوطني، بعد نجاح فائق للنظر برفقة شحاتة كمدرب عام، ولكن رفيق المعلم لم يجن ثمار نجاحه السابق ومر بفترة فشل كبيرة مع الفراعنة وخفق في الصعود لأمم إفريقيا مرة أخرى، في ظل عجزه عن إيجاد مهاحم صريح واعتماده على خالد قمر وأحمد تمساح.

 

مرحلة الأرجنتيني والبحث عن القناص الجديد

ومع تولي الأرجنتيني هيكتور كوبر، مسؤولية تدريب المنتخب الوطني لم يضم قناص الأهلي إلا في مرات تعد على أصابع اليد الواحدة، واعتقدنا أنه وجد ضالتنا في صنع مهاجم جيد وصريح لمصر، وكان ذلك بالاعتماد على باسم مرسي لاعب الزمالك الذي سطع نجمه في بداية انضمامه للقلعة البيضاء، وحقق الثنائية المحلية في ذلك الوقت موسم 2014\2015، ليعلن كوبر أن مرسي أو الحاسم كما تناديه الجماهير هو المهاجم الرسمي لمنتخب مصر الذي طال غيابه.

 

نجح الحاسم نجاحًا باهرًا في بدايته مع كوبر، وسجل أكثر من 7 أهداف في تصفيات إفريقيا المؤهلة لبطولة الأمم ومثيلتها لكأس العالم 2018 بروسيا، ولكن لم يدم الحال طويلًا وكانت مواجهة غانا هي القشة التي قسمت ظهر البعير، وعلى ما اتضح بعد ذلك أن الأزمة بين الأرجنتيني والحاسم بدأت منذ فترة وكانت نهايتها في مباراة النجوم السوداء على ملعب برج العرب، 13 نوفمبر الماضي.

 

المركز المفقود وأزمة باسم والحلول البديلة 

أصيب مرسي في المباراة وتم استبداله ولكنه اتخذ قرارًا حينها، ربما لم يكن الأمثل بالنسبة لكوبر وجهازه المعاون، غادر باسم ملعب برج العرب عقب تغييره واتجه إلى الفندق الخاص بإقامة المنتخب، دون إذن من الأرجنتيني أو إبلاغ أحد، ولم نر مهاجم الزمالك ضمن قائمة الفراعنة منذ ذلك الوقت، وتحطمت آمال عودة مركز المهاجم في مصر مرة أخرى.

حاول كوبر مراراً وتكرارًا إيجاد بديل لباسم حتى استقر على مروان محسن مهاجم الأهلي، وضمه بالفعل لقائمة الفراعنة في بطولة الأمم الإفريقية الماضية الجابون مطلع العام الجارى، ولكن لعنة متعب استمرت بإصابة محسن بالرباط الصليبي في إحدى مباريات البطولة القارية، ولم يعد للملاعب حتى الآن.

ظل الأرجنتيني منذ ذلك الحين يختلق حلولًا لهذا المركز اللعين، ولكنه لم يجد بالفعل مقصوده في العناصر التي ضمها مثل أحمد حسن كوكا مهاجم براجا البرتغالي أو عمرو جمال من بيدفيست الجنوب إفريقي أو عرفة السيد من إنبي أو حسام حسن من سموحة وغيرهم، حتى اقتنع أن تجربته لمحمود عبدالمنعم كهربا لاعب اتحاد جدة السعودى في مركز رأس الحربة خلال "كان" 2017 بعد إصابة مروان، هي الحل الأمثل وظل معتمدًا عليها حتى وقت قريب.

 

تألق مرعي ولعنة متعب وحلم المونديال

وظهر عمرو مرعي مهاجم النجم الساحلي التونسي في المشهد مؤخرًا، بعدما قاد فريقه إلى دور نصف النهائي من بطولة دوري أبطال إفريقيا بهدفين مميزين في مرمي أهلي طرابلس الليبي، يشيران لمهاجم قناص، وضرب موعدًا مع الأهلي المصرى في مباراة مرتقبة.

وتداولت الأخبار حول مرعي وانضمامه للمنتخب الأيام القليلة الماضية إلا أن كوبر لم يفعل ذلك بعد إعلانه قائمة الفراعنة لمواجهة الكونغو ولم تشتمل علي اسم المهاجم الشاب.

عجز كل مدربي المنتخب الوطني عقب رحيل المعلم شحاتة عن إيجاد لاعب يحمل هجوم الفراعنة، أو ربما لعنة متعب هي السبب وراء ذلك، وكأن القناص يرفض أن يحقق غيره أمجادًا في مركزه المفضل وهو باق في الملاعب، ولكنه بعيدًا عن قائمة المنتخب بسبب جلوسه غير المقنع للكثيرين على دكة بدلاء الأهلي، بأوامر فنية أو غيرها.

وأخيرًا، لا يستطيع أحد أن يجزم باسم المهاجم الذي سيحمل قميص منتخب مصر في مباراة الكونغو المقبلة المصيرية في الثامن من أكتوبر، ضمن منافسات الجولة الخامسة وقبل الأخيرة من التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال روسيا، خاصة وأن الأرجنتيني اعتمد على عمرو جمال في مركز رأس الحربة في مواجهة أوغندا الأخيرة، ولكنه لم يبل البلاء الحسن المنتظر.