كان جنرالاً حربيًا، يُمارس قواعد مهنته وعمله بحرفية المُقاتلين، اكتسب اسمه من قوة إيمانه بفكرته وتصميمه على النجاح، تعامل مع كرة القدم على أنها ميدان للحرب، لا مجال فيها للخسارة على أي حال من الأحوال، عزيمته لم تنكسر يومًا، عاش من أجل فكرة، ومات واقفًا على قدميه محتفلاً بأثار نجاحه وعظمة إنجازاته، أنه محمود نصير يوسف الجوهري، حفيد الإمامين الحسن والحسين، وسيف الله المسلول خالد بن الوليد.

 

خمسة أعوام مضت على رحيل محمود الجوهري، ترك لنا إرثًا كبيرًا من المجد والوفاء والإنجازات، ليس على مستوى تاريخ الكرة المصرية فحسب، بل في تاريخ الكرة العربية بصفة عامة، فقد ظلت بصمته محفورة بين ساحات المُستطيل الأخضر، لا يُمكن أن تُمحى من ذاكرة التاريخ يومًا، ذهب عن عالمنا تاركنا لنا جيلاً من تلاميذه يخطو نفس خطواته في عالم المُستديرة، ينفذ ما عاش من أجله سنوات عمره، تاركين بصماتهم الخاصة في عالم التدريب كما تعلموا منه، سواء في مصر أو خارجها.

 

إلا أننا مازلنا عاجزين على المُضي في طريق النجاح، فقليل من ثبت وحاول جاهدًا أن يسلك طريق "الجنرال" مع الساحرة المُستديرة، لكننا فقدنا برحيل الجوهري، علامات صنعها، كانت تُعد مجدًا خالصًا للكرة المصرية، محليًا وعربيًا وعالميًا.

 

رحل محمود الجوهري عن عالمنا يوم 3 سبتمبر عام 2012، بعجنا كان أول من حصل على بطولة إفريقيا للأمم لاعباً ومدرباً عندما حصل عليها منتخب مصر كلاعب سنة 1959 وحصل عليها كمدرب عام 1998.

 

كما أنه أول من درب ناديي الأهلي والزمالك وحقق إنجازات عديدة مع الفريقين، وأول مدرب يحصل على بطولة الأندية الإفريقية مرتين مرة مع الأهلي ومرة مع نادي الزمالك.

 

يرصد "بطولات" أبرز ملامح النجاح في مسيرة جنرال الكرة المصرية قبل رحيله..

 

- تتويج الفراعنة بأول بطولتين للأمم الأفريقية

قاد محمود الجوهري، منتخب مصر الأول للتتويج بأول نسختين من بطولة أمم أفريقيا 1957 و1959، بالسودان ومصر على الترتيب، حيث لعب دوراً بارزاً في حصد الفراعنة لأولى ألقاب العرس القاري بمساعدة نجوم المنتخب القومي وقتها الديبة ورأفت عطية، وساهمت أهدافه الثلاثة في النسخة الثانية من حفاظ المصريين على اللقب وهو هدافًا للمسابقة.

 

- أول تتويج قاري للأهلي

كان الأهلي قاب قوسين أو أدنى من إحراز بطولة أفريقيا للأندية أبطال الدوري عام 1981، للمرة الأولى في تاريخه، إلا أن اغتيال الرئيس محمد أنور السادات حال دون ذلك، بانسحاب من الدور قبل النهائي، لكن محمود الجوهري، المدير الفني للأهلي وقتها رفض ألا يكون للمارد الأحمر لقبًا قاريًا، فرسم خطته وحشد قواه ليصول ويجول أصحاب الرداء الأحمر بأدغال القارة السمراء ويحرزون أولى ألقابهم الأفريقية في عام 1982 على حساب أشانتي كوتوكو الغاني الرهيب وسط أنصاره بملعب كوماسي، ليحقق الأهلي لقب بطولة أفريقيا للأندية الأبطال تحت قيادة الجنرال.

 

- حلم المونديال يتحقق على يده للمرة الأخيرة

الإنجاز الأكبر في المشوار الكروي للجوهري، والعلامة الفارقة في سجله التدريبي، والفرحة الكبرى لجماهير الكرة في مصر، ببلوغ منتخب بلادها لمونديال 1990 بإيطاليا، للمرة الأولى في العصرالحديث، قبل تأهله والأول من نوعه لمنتخبات الكرة العربية والأفريقية بإيطاليا أيضًا عام 1934، حيث وضع الجنرال جميع خبراته التدريبية في مشوار أبناء النيل بالتصفيات، وقاد سفينة المصريين لتمثيل البلاد في العرس العالمي.

ويقدم المصريون أداء مشرفا بمونديال 1990،عقب الوقوع في مجموعة صعبة تضم هولندا بطل أوروبا وقتها، والمنتخبين الإنجليزي والأيرلندي، فيحقق أبناء الجوهري تعادلان أمام هولندا وإنجلترا، منهما واحداً بطعم الفوز أمام الطواحين في ظل أداء مبهر، وخسارة وحيدة أمام الإنجليز.

 

- الجوهري يصنع للزمالك تاريخه الأفريقي

وكأن فريق أشانتي كوتوكو الغاني، بات هو الضحية الدائمة للجنرال محمود الجوهري، ببطولات الأندية الأفريقية، فعقب قيادته للأهلي في التتويج على حسابه ببطولة الأندية الأبطال عام 1982، عاد جنرال الكرة المصرية مجدداً لقهر العملاق الغاني ولكن هذه المرة في فيادة فريق نادي الزمالك، والذي انتزع اللقب القاري الثالث في تاريخ ميت عقبة على حسابه عام 1993 من خلال ركلات الترجيح، تحت قيادة أكثرمن رائعة من خارج الخطوط للجوهري.

 

- الجوهري ينتصر للزمالك أفريقيا على حساب الأهلي

في لقاء تاريخي سيظل عالقاً بأذهان جماهير الكرة المصرية، يحسم الزمالك لقاء السوبر الأفريقي، في قمة مصرية خالصة جمعته بالمنافس الأولي، فريق النادي الأهلي، بجوهانسبورج عام 1994، حيث نجح أيمن منصور في تسجيل الهدف الأشهر في تاريخه بمشواره مع أبناء ميت عقبة، لينجح الجوهري في تحقيق اللقب القاري الثاني له مع الزمالك والثالث له على مستوى بطولات أندية أفريقيا.

 

- الفراعنة على عرش القارة السمراء

ذهب المنتخب المصري لخوض بطولة أمم أفريقيا نسخة 1998 ببوركينا فاسو، متوقعًا له خبراء اللعبة العودة سريعًا في أقرب طائرة لمصر، ووداع منافسات العرس القاري من الدور الأول، ولكن بقيادة محنكة من محمود الجوهري، يعود الفراعنة بأغلى الألقاب ويلقون منتخبات القارة درسًا قاسيًا في فنون اللعبة، ويتنزعون اللقب من حامله، منتخب جنوب أفريقيا في المباراة النهائية، حيث أبهر الجنرال القارة السمراء خلال المباراة النهائية بجملة تكتيكية «ماركة مسجلة» نفذها لاعبو المنتخب بنجاح وسجلوا من خلالها هدف التعزيز وضمان الصعود على منصات التتويج.

 

- الجوهري يفتح الأبواب للمدربين المصريين في الدول العربية

تولي الجوهري تدريب عدد من الأندية الخليجية، منها الهلال السعودي، واتحاد جدة، وتتلمذ علي يد الخبير الألماني كرامر، الذي عمل مساعدًا له في السعودية، واستفاد الجوهري من خبرته، وتولى تدريب ناديي الشارقة والوحدة الإماراتيين، وقاد منتخب عمان في كأس الخليج 1996.

وفي عام 2002، تولى تدريب المنتخب الأردني والإشراف الفني على الكرة الأردنية، وقاد المنتخب الأول للوصول إلي نهائيات كأس الأمم الآسيوية 2004 في الصين، لأول مرة في تاريخ الكرة الأردنية وصعد بالفريق إلى دور الأربعة، وخرج أمام اليابان بضربات الترجيح، بعد أن قام الحكم بتغيير المرمى الذي يسدد عليه الفريقان الركلات، في سابقة لم تحدث من قبل، وقلبت الموقف رأسًا على عقب.

وحقق مع منتخب الأردن العديد من الإنجازات العربية، أهمها المركز الثالث في كأس العرب في الكويت، والثاني في دورة غرب آسيا، وقد توج العاهل الأردني عطاءه الكبير مع الكرة الأردنية بتكريم ملكي، حيث منحه وسام العطاء المتميز خلال استقباله له في القصر الملكي في عمان، بعد أن أنهى مسيرته مع الكرة الأردنية التي وضع لها العديد من أسس التطور، ليس على مستوى المنتخب الأول فقط وأنما على مستوى المنتخبات السنية والأندية أيضًا.

وعلى الرغم من تواجد مدربين مصريين في تدريب عدد من الفرق العربية، وأهمهم العميد حسام حسن، الذي تولى قيادة منتخب الأردن بتوصية من الجنرال، إلا أن لا يوجد مدرب مصري استطاع تجسيد ما فعله الجوهري في بلاد العرب.

 

- الجوهري جنرالا عسكريًا في الإدارة

كان الجوهري يعمل مستشارًا للأمير علي بن الحسين، رئيس الاتحاد الأردني، والذي كان مرشحًا لمنصب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في الانتخابات السابقة، ويشرف على وضع الخطط والبرامج الهادفة لدفع عجلة الكرة الأردنية نحو مزيد من التطور والإنجازات، وكان المدرب الأول الذي يقود المنتخب الأردني إلى نهائيات كأس آسيا بعدما اعتاد الفريق تذيل تصفياتها.

وظل يعمل مستشارًا للاتحاد الأردني لكرة القدم، حتى وافته المنية في 3 سبتمبر 2012، ومنذ رحيله فقدت الكرة المصرية هيبة وجود "خبير مصري" في بلاد العرب، فلم يستطع أحد المدربين المصريين احتلال هذه المكانة من بعده.

وبعد أن قرر اعتزال التدريب، اتجه بعد ذلك إلى العمل الإداري، حيث اختاره مجلس إدارة اتحاد الكرة المصري، الذي كان يترأسه في ذلك التوقيت سمير زاهر، للعمل كمدير فني للجبلاية، نظرًا لخبرته الطويلة في التخطيط الفني للكرة المصرية، وهو المنصب الذي تركه سريعًا لوجود بعض الخلافات والمشاكل في الآراء مع المسئولين بالاتحاد، ليعود مرة أخرى الجوهري للأردن كمستشار فني لرئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم.