تحبس أنفاسك وتضطرب ضربات قلبك مع كلماته المتوترة "بسم الله الرحمن الرحيم" وأنت تنظر للرقم 10 الذي يحمله على ظهره، ووجهه وعينيه صوب المرمى يقف في منطقة الجزاء، ملعب في مدينة الأسكندرية مزدحم وكل من فيه يوحي بتوتر عصبي، الجميع يلتف حول أجهزة التلفاز في انتظار لحظة تسديده للكرة.

مرة أخرى يأخذ نفسًا عميقًا ويقول: "بسم الله الرحمن الرحيم"،  "يارب .. محمد صلاح!"، ركلة جزاء تستحق التدخل الإلهي؟، ربما، شعب يترقب لحظة وصول إلى حدث غاب عنه منذ 28 عامًا.

ثم؟ يفعلها من يمثل طموح الشباب، محمد صلاح بعد لحظات عصيبة مر بها وفي غضون ثوانِ يتحرك ويسدد بيسراه في شباك الكونغو، وتولد أسطورة تصعد بالمنتخب الوطني لمونديال روسيا.

واليوم ينطلق الحدث الأعظم في تاريخ كرة القدم، بمواجهة بين روسيا والسعودية، وغدًا يخوض منتخبنا الوطني أولى مبارياته أمام أوروجواي.

صلاح صاحب الـ25 عامًا يعرف شعور الضغط هذا جيدًا، يلعب في الدوري الأكثر نجاحًا، لفريق ليفربول بالبريميرليج، وحقق موسمًا قياسيًا في أول عام له رفقة الريدز، لكن النجاح مع المنتخب الوطني وتحقيق إنجاز غائب سيجعلك أسطورة.

صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في تقرير مميز لها عن محترفنا المصري والمنتخب الوطني علقت قائلة أن مصر شهدت نصيبها من الاضطرابات خلال السنوات القليلة الماضية، انتفاضة أسرت العالم، انتخابات فوضوية، عنف في الشوارع، انقلاب عسكري، وبلد يزحف ببطء إلى حكم عسكري، هدف صلاح قدم للمصريين لحظة صادقة من الفرح.

بعد ذلك، عاد صلاح إلى ليفربول وجمع ذلك الفرح مع واحد من أكثر المواسم نجاحًا في مسيرة أي لاعب، الكاتب المنشاوي محمد المنشاوي علّق للصحيفة الأمريكية: "لم أرَ أبداً شيئاً مثل ظاهرة صلاح، هذه هي المرة الأولى في التاريخ الحديث التي رأينا فيها مثل هذا العدد من المصريين يحتشد ويتفق خلف شيء واحد، الشخصية الوحيدة التي تقترب منه، قد يكون الممثل المصري الأسطوري عمر الشريف".

في أواخر إبريل، صلاح يحقق رقمًا قياسيًا في بريطانيا، سجل 32 هدفًا ليحطم الرقم القياسي للتسجيل في موسم واحد في البريميرليج وبذلك يتفوق على كريستيانو رونالدو نجم ريال مدريد، الذي سجل 31 هدفا خلال موسم 2007-2008 لمانشستر يونايتد، تخيل لو أن لاعب كرة سلة بدأ يظهر على الساحة، ينجح في كسر رقم مايكل جوردان أو ليبرون جيمس؟ حينها سندرك ما فعله صلاح.

أما جماهير ليفربول، فلقبوه بالملك المصري، وفئة أخرى ظهرت وهي تهتف :"إذا سجل مجددًا سأصبح مسلمًا أيضًا"، يأتي ذلك على الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بما يشير لنزعة انفصالية إنجليزية إلا أن جماهير ليفربول احتفلت بمحمد صلاح المسلم، والفخور بدينه، ليبدو كأن المصري يردم الفجوات الثقافية والدينية بين الشعوب.

بالعودة لموطنه مصر، فمساهمة صلاح في الأعمال الخيرية أكثر كثافة من رصيده التهديفي في المباريات، كما أنه يحظى بعدد كثيف من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، وحين طالب كاتب مصري بأن يقم صلاح بتغيير مظهره فيما يتعلق بلحيته، انفجر "تويتر" ضد الكاتب من أجل تدعيم صلاح.

وفي 28 مايو، إصابة محمد صلاح بنهائي دوري أبطال أوروبا مع فريقه ليفربول أمام ريال مدريد بعد تدخل عنيف من سيرجيو راموس، يعلق منشاوي للصحيفة الأمريكية: "كان الأمر أشبه بأحداث 11 سبتمبر في مصر، الشعب يبكي والأمة تصلي لأجله حتى يتعافى".

الرجل الذي حمل فريق وأمة كاملة على عاتقه، "كتف صلاح" أصبح هاجسًا يوميًا، بعض التقارير تشير إلى أنه قد يكون جاهزًا لمواجهة أوروجواي غدًا، وأخرى تشير لضرورة عدم المخاطرة والانتظار لحين مواجهة روسيا يوم 19 من شهر يونيو الجاري.

وفي جروزني عاصمة الشيشان، رمضان قديروف رئيس الدولة والذي تتهمه منظمات حقوق الإنسان بانتهاكات واسعة، يذهب لاستقبال صلاح ويحتفي به، وتهتف له الحشود. 

من جانبه، يأمل الباحث المصري صموئيل تادرس، مثل الكثير من المصريين، أن يشاهد حشود الهتاف لصلاح في مباراة حقيقية، وليس مجرد مران، هذا لا يتعلق فقط بكرة القدم، كما يشير: "نحن لا ننتج شخصيات مثل أم كلثوم أو نجيب محفوظ بعد الآن، الناس يأتون من جميع أنحاء العالم لرؤية حضارتنا القديمة، لكن نجاحاتنا الحديثة قليلة، وصلاح يملأ هذه الفجوة".

أما الشاعر والكاتب حنيف عبد الرشيد فعلّق: "محمد صلاح لاعب يقدم العديد من اللمحات الخاطفة في العديد من الأماكن في وقت واحد، ولكي أكون صادقاً، فهو لا يهدف إلى توحيد العالم بل إلى تقليصه، بحيث يكون لكل فرد مكان صغير يغني فيه ويزدهر من أجله ولكن بجانب النجم المصري ومعه".

لذلك حين تمس أقدام صلاح أراضي ملاعب روسيا، لن نشاهد فقط مهاجمًا وجناحًا موهوبًا للغاية بل هو رمز وطني يضع أمة محطمة على كتفه مرة أخرى، لاعبًا يوحد القوة العالمية في عالم مفككًا.