كان جنرالاً حربيًا، يُمارس قواعد مهنته وعمله بحرفية المُقاتلين، اكتسب اسمه من قوة إيمانه بفكرته وتصميمه على النجاح، تعامل مع كرة القدم على أنها ميدان للحرب، لا مجال فيها للخسارة على أي حال من الأحوال، عزيمته لم تنكسر يومًا، عاش من أجل فكرة، ومات واقفًا على قدميه محتفلاً بأثار نجاحه وعظمة إنجازاته، أنه محمود نصير يوسف الجوهري، حفيد الإمامين الحسن والحسين، وسيف الله المسلول خالد بن الوليد.

 

خمسة أعوام مضت على رحيل محمود الجوهري، ترك لنا إرثًا كبيرًا من المجد والوفاء والإنجازات، ليس على مستوى تاريخ الكرة المصرية فحسب، بل في تاريخ الكرة العربية بصفة عامة، فقد ظلت بصمته محفورة بين ساحات المُستطيل الأخضر، لا يُمكن أن تُمحى من ذاكرة التاريخ يومًا، ذهب عن عالمنا تاركنا لنا جيلاً من تلاميذه يخطو نفس خطواته في عالم المُستديرة، ينفذ ما عاش من أجله سنوات عمره، تاركين بصماتهم الخاصة في عالم التدريب كما تعلموا منه، سواء في مصر أو خارجها.

 

إلا أننا مازلنا عاجزين على المُضي في طريق النجاح، فقليل من ثبت وحاول جاهدًا أن يسلك طريق "الجنرال" مع الساحرة المُستديرة، لكننا فقدنا برحيل الجوهري، علامات صنعها، كانت تُعد مجدًا خالصًا للكرة المصرية، محليًا وعربيًا وعالميًا.

 

في ذكرى رحيله الخامسة..  يرصد "بطولات" 4 مشاهد اختفت من الساحة المصرية برحيل الجنرال..

 

- وداعًا لمونديال الأبطال

منذ أن صعد محمود الجوهري، بمنتخب مصر، لكأس العالم، 1990، بجيل العظماء، لم تلمس قدم أي مصري ملاعب المونديالات من بعده، فالفشل كان حليفًا لكل الأجيال والمدربين الذين خلفوه في قيادة المنتخب الوطني، سواء مدربين مصريين أو أجانب، ولعلنا بفضله نظل نسمع جملة مجدي عبد الغني، نجم مصر السابق، الشهيرة "أنا صاحب هدف مصر الوحيد في المونديال".

- وداعًا للخبراء المصريين في الدول العربية

كان الجوهري يعمل مستشارًا للأمير علي بن الحسين، رئيس الاتحاد الأردني، والذي كان مرشحًا لمنصب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في الانتخابات السابقة، ويشرف على وضع الخطط والبرامج الهادفة لدفع عجلة الكرة الأردنية نحو مزيد من التطور والإنجازات، وكان المدرب الأول الذي يقود المنتخب الأردني إلى نهائيات كأس آسيا بعدما اعتاد الفريق تذيل تصفياتها.

وظل يعمل مستشارًا للاتحاد الأردني لكرة القدم، حتى وافته المنية في 3 سبتمبر 2012، ومنذ رحيله فقدت الكرة المصرية هيبة وجود "خبير مصري" في بلاد العرب، فلم يستطع أحد المدربين المصريين احتلال هذه المكانة من بعده.

 

في أحد اللقاءات، قال الأمير علي بن الحسين، مازحًا له: "في كأس أمم أسيا 2004، كنت جالسًا مع رئيس الاتحاد الياباني للكرة، حيث تقيم بعثة منتخبهم وفريق الأردن في المطعم، دخل منتخب الأردن المطعم في ذات التوقيت لتناول الغداء، وكان الجوهري منظمًا إلى درجة غير طبيعية، الجهاز الفني أولاً، ثم اللاعبون، كل يعرف طاولته سلفًا، كان منظر منتخبنا أشبه بالجيش العسكري، وقتها قال لي رئيس الاتحاد الياباني: "الآن فقط سأقلق من مباراتنا معكم في دور الثمانية".

 

- وداعًا للمدرب المصري في شبه الجزيرة العربية

تولي الجوهري تدريب عدد من الأندية الخليجية، منها الهلال السعودي، واتحاد جدة، وتتلمذ علي يد الخبير الألماني كرامر، الذي عمل مساعدًا له في السعودية، واستفاد الجوهري من خبرته، وتولى تدريب ناديي الشارقة والوحدة الإماراتيين، وقاد منتخب عمان في كأس الخليج 1996. 

وفي عام 2002، تولى تدريب المنتخب الأردني والإشراف الفني على الكرة الأردنية، وقاد المنتخب الأول للوصول إلي نهائيات كأس الأمم الآسيوية 2004 في الصين، لأول مرة في تاريخ الكرة الأردنية وصعد بالفريق إلى دور الأربعة، وخرج أمام اليابان بضربات الترجيح، بعد أن قام الحكم بتغيير المرمى الذي يسدد عليه الفريقان الركلات، في سابقة لم تحدث من قبل، وقلبت الموقف رأسًا على عقب. 

وحقق مع منتخب الأردن العديد من الإنجازات العربية، أهمها المركز الثالث في كأس العرب في الكويت، والثاني في دورة غرب آسيا، وقد توج العاهل الأردني عطاءه الكبير مع الكرة الأردنية بتكريم ملكي، حيث منحه وسام العطاء المتميز خلال استقباله له في القصر الملكي في عمان، بعد أن أنهى مسيرته مع الكرة الأردنية التي وضع لها العديد من أسس التطور، ليس على مستوى المنتخب الأول فقط وأنما على مستوى المنتخبات السنية والأندية أيضًا.

وعلى الرغم من تواجد مدربين مصريين في تدريب عدد من الفرق العربية، وأهمهم العميد حسام حسن، الذي تولى قيادة منتخب الأردن بتوصية من الجنرال، إلا أن لا يوجد مدرب مصري استطاع تجسيد ما فعله الجوهري في بلاد العرب.

- وداعًا لمنصب مستشار الجبلاية 

بعد أن قرر اعتزال التدريب، ليتجه بعد ذلك إلى العمل الإداري، حيث اختاره مجلس إدارة اتحاد الكرة المصري، الذي كان يترأسه في ذلك التوقيت سمير زاهر، للعمل كمدير فني للجبلاية، نظرًا لخبرته الطويلة في التخطيط الفني للكرة المصرية، وهو المنصب الذي تركه سريعًا لوجود بعض الخلافات والمشاكل في الآراء مع المسئولين بالاتحاد، ليعود مرة أخرى الجوهري للأردن كمستشار فني لرئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم.

 

أراد الجوهري أن يضع خبرات السنين في منصبه الإداري مع اتحاد الكرة، من أجل الارتقاء بمستوى اللعبة في مصر، لا سيما المنتخب الوطني، إلا أن تلاميذه الصغار وأبنائه الذي تتلمذوا على يده وسلكوا مجال الإدارة بعد انتهاء حياتهم في الملاعب الخضراء، وقفوا حائلاً دون تنفيذ خططه الجنرالية للكرة المصرية، ومن وقتها علم الجميع أن منصب مستشار أو المدير الفني للعبة في مصر وفي اتحاد الكرة سيكون "اسمًا لا فعلاً".