جارديان تسرد قصة النني.. الخجول الملتزم الذي يلعب 10 ساعات بدون راحة
الفكرة بدأت منذ سنوات طويلة، حينما ابتكر والد محمد النني أفضل طريقة للتواصل مع الكرة، حتى تستطيع التعامل معها وتجيد التحكم بها منذ صغر سنك.
هكذا سلطت صحيفة "جارديان" البريطانية، الضوء على بداية اللاعب المصري المنتقل حديثا لأرسنال حينما كان ناشئا بالأهلي، وسر وصوله للعالمية لينضم لواحد من أعرق الأندية الإنجليزية.
"أتذكر جيدا أن والدي طلب مني النوم وبجواري الكرة، كان يقول أنها أفضل طريقة للتواصل معها، وبدأ تعليمي اللعبة منذ سن الثالثة، وحلمه الأكبر كان رؤيتي لاعب كرة قدم محترف".
كان ذلك اول تصريح للنني بعد انتقاله من بازل السويسري إلى أرسنال، في صفقة يقال أنها وصلت إلى 7.4 مليون جنيه إسترليني.
وقالت جارديان أن هذه القصة المؤثرة التي بدأها النني مع الكرة، نجح في مواصلتها بفضل اجتهاده بداية من لعبه بالدوري المصري ثم سويسرا ومنه إلى أرسنال والبريمييرليج.
النني:"خلال طفولتي كنت ألعب كرة القدم لمدة 10 ساعات في الشارع، أعتقد أن ذلك هو السبب الرئيسي في تعلمي الركض باستمرار دون الحصول على راحة".
بداية الرحلة
صاحب الـ23 عاما لديه قوة رئتين تشبه العدائين بألعاب القوى، فحينما شارك في هزيمة بازل من بورتو بدور الـ16 بدوري أبطال أوروبا العام الماضي، لم يركض أي لاعب في الملعب أكثر منه.
نفس الامر تكرر في الدوري الأوروبي هذا الموسم، والذي ساعد خلاله فريق السابق بازل على بلوغ دور الـ32، بعد أداء مميز للنني بدور المجموعات وتسجيله مرتين في فيورنتينا، وتحقيق لقب أفضل ممرر بالمرحلة كلها.
يعد نجم المقاولون العرب والأهلي السابق، هو ما يحتاجه أرسنال في الوقت الحالي، لاعب إضافي للتغلب على إصابات الثلاثي "كوكلين، كازورلا وويلشير"، كما انه يمتلك قدرات يتمتع بها الثلاثي دفعة واحدة.
النني كما قالت عنه جارديان، يجمع بين العقلية الدفاعية والالتزام بواجبات المحور الدفاعي، وأضاف عليها مؤخرا تطوره في النواحي الهجومية، وظهر ذلك بالنصف الأول من الموسم الحالي بتسجيله 5 أهداف مع بازل في كل البطولات.
يأتي ذلك مقارنة بأول موسمين ونصف قضاهم مع الفريق السويسري، سجل خلالهم أربع أهداف فقط.
الخروج من جلباب صلاح
"شعرت برهبة طاغية في أول أيامي كلاعب محترف في أوروبا"
لاعب أرسنال الجديد ذهب إلى بازل في يناير 2013، ظهر بمستوى جيد حينما انتقل لمدة 6 أشهر على سبيل الإعارة، كان وقتها شخص خجول، ولاحظ الجميع في سويسرا أنه لم يسعى كثيرا للنجومية وكان يكتفي بالعيش في ظلال صديقه المقرب محمد صلاح.
صلاح الذي لديه نفس التجربة مع بازل، كان يبدو أكثر ثقة من النني، يمزح مع الجميع ويتحدث الانجليزية، والتي لم يجيدها النني مكتفيا باللغة العربية، ليصبح صلاح بمثابة شقيقه الأكبر ومترجمه الخاص.
بغض النظر عن خجل النني خارج الملعب، إلا أنه تألق بالشكل الكافي، ليتعاقد مع بازل من المقاولون العرب بـ800 ألف يورو، لكنه تلقى خبرا سيئا برحيل صلاح عنه في 2014.
رغم الصداقة الشديدة بينهما إلا أن رحيل صلاح جعل النني يخرج من قوقعته ويتحدث للناس بشكل مباشر ويحسن من لغته الانجليزية، ليتطور على الجانبين الرياضي والاجتماعي ويكتسب المزيد من الثقة.
الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل أصبح للنني حضور أكبر على أرضية الملعب وأكثر جرأة، حيث بدأ يتحدث ويوجه زملائه على أرضية الملعب، بعدما كان لاعبا روتينيا لا يحب المجازفة تتوقف تحركاته في مربع واحد بجوار مركزه في وسط الملعب بخطة 4/2/3/1.
بدأ يساعد فريقه على السيطرة بتطوره في الاحتفاظ على الكرة وتمديد زملائه بالتمريرات الدقيقة والحاسمة، بعدما كان يقتصر دوره على استلام الكرة من المدافعين وتسليمها لأقرب لاعب.
النني ليس لاعب مفتول العضلات، بقدر ما يعتمد بشكل أكبر على الذكاء وقراءة الملعب، فهو يعلم متى ينتظر ومتى يتدخل لخطف الكرة من المنافس.
جارديان تصف النني بأنه اللاعب المثالي لأي فريق يلعب كرة جماعية، ويعد تواجده حلما لأي مدرب لما يمتلك من مجهود وافر وتواضع جعل منه افضل لاعبي بازل هذا الموسم.
بازل استبدل الدولي المصري بأليكساندر فرانسون السويدي صاحب الـ21 عاما، بمبلغ أقل مما تلقاه لبيع النني لكن هذا لا ينفي شعورهم بالإحباط الشديد لخسارة أهم لاعب بالفريق.
سر التألق والنجاح
النني:"الله قرر لي أن أصبح لاعب كرة ولذلك انتقلت إلى بازل، حينما تتعلق الأمور بالقرارات المصيرية فلا استمع سوى له، فاذا تلقيت عرضا من نادي آخر فربي فأستخير الله بالقبول أو الرفض"
ترى الصحيفة البريطانية، أن النني يستمد قوته من عائلته الصغيرة التي تتكون من زوجته وإبنه الصغير، وتدينه والتزامه بتعاليم الإسلام وأداء فروضه حتى أثناء رحلات الفريق، بالإضافة إلى صيام شهر رمضان.
يتميز صاحب الـ23 عاما، بأنه ليس من نوعية اللاعبين الذين تشغلهم المظاهر وأضواء المدينة المشرقة في بازل، فكان يسكن بأحد الأبراج التابعة لملعب "سانت جاكوب" الخاص بفريقه، ولم يسكن بأي من المنازل الفارهة مثلما يفعل معظم اللاعبين.
رحلته بدأت وتطورت بالتدريج، وتخللها بعض المشاكل كانت أبرزها بداية موسم 2013/2014 حينما وقع بازل مع فريق ماكابي تل أبيب الصهيوني، بالمرحلة التمهيدية لدوري أبطال أوروبا.
تعرض النني وصلاح للكثير من الضغوط بمصر حتى لا يشاركوا بهذه المباراة لأبعاد سياسية، صلاح قال رأيه بصراحة أنه يرفض السفر مع بازل لاسرائيل، ربما غير رأيه لكنه رفض مصافحة لاعبي ماكابي بالمباراتين.
وأشادت "جارديان" بموقف النني وقتها الذي أبقى رأسه منخفضة واختار التعامل مع الموقف كلاعب محترف واتجه لمصافحة الفريق المنافس رغم كل الانتقادات والضغوط.
يستعد النني لخوض مرحلة جديدة بمسيرته، هناك شكوك حول مدى خبرته بالدوري الانجليزي، لكن ظهوره المميز مع بازل على الصعيد الأوروبي ضد تشيلسي وليفربول وتوتنهام يغلق الباب أمام أي مخاوف.
يأتي ذلك بعد نجم المدفعجية الجديد أمام ليفربول بدوري أبطال أوروبا على ملعب أنفيلد الموسم الماضي، وساعد بازل على تحقيق نقطة ثمينة أهلته لدور الـ16 من البطولة.
مباراة الذهاب أمام الريدز كان أكثر تأثيرا في النني، حيث شهدت وجود والده في المدرجات، ليشاهد إبنه يهزم ليفربول 1/0، في ليلة مؤثرة التقط خلالها ناصر النني نجم بلدية المحلة السابق صورة مع إبنه وهو فخورا والدموع تملأ عينيه.
مصدر الإلهام
هذه الليلة لم تكتمل، حيث كان يحلم محمد في التسجيل بمباراة يحضرها والده، وهو ما تحقق منذ شهرين، حينما حضر والده مباراة فيورنتينا بالدوري الأوروبي، والتي سجل خلالها النني هدف التعادل لبازل بتسديدة صاروخية.
مما يؤكد أن والده يعد مصدرا لإلهام إبنه في العديد من المناسبات، والآن لازال أمامهم المزيد من الوقت للحظات لاتنسى مع واحدا من أعرق فرق إنجلترا.
وربما نرى نفس الصورة بنهاية الموسم الحالي، تجمع الثنائي على ملعب الإمارات بعد تحقيق النني لطموحه المنتظر بتحقيق لقب الدوري الانجليزي الذي يتصدر أرسنال ترتيبه حتى الآن.